السلام عليكم ورحمه الله وبركاته
سمعته سيئة لكنه مهم لعمل خلايا الجسم
كوليسترول الدم وأمراض القلب
الكوليسترول هو أحد أنواع الشحوم أو الليبيدات الضرورية للجسم. وبسبب سمعته السيئة باعتباره أحد عوامل الإصابة بأمراض القلب، ينظر الناس إلى الكوليسترول من زاوية سلبية، على الرغم من أنه يمثل مكونا مهما من مكونات الأغشية الخلوية، علاوة على أهميته بالنسبة لبنية وعمل خلايا الجسم. وبالإضافة إلى ذلك، يلعب الكوليسترول دورا محورياً في تكوين بعض أنواع الهرمونات. بيد أن هناك العديد من البشر ممن يعانون من زيادة معدل الكوليسترول في الدم. ففي الولايات المتحدة على سبيل المثال، يعاني حوالي 50% من السكان من ارتفاع في معدل الكوليسترول، وإذا ما كنت أحد الذين يعانون من هذه الحالة التي يمكن الوقاية منها بسهولة، فربما تكون سائرا على الطريق المؤدية إلى الإصابة بأمراض القلب.
فعندما تصل مستويات الكوليسترول والتريجيسيرايد (الشحوم الثلاثية)، وهي نوع آخر من شحوم الدم، يزداد احتمال تشكل الترسبات الشحمية (الصفيحات الصلبة) التي تتكون من الكوليسترول على السطح الداخلي للأوعية الدموية. ومع مرور الوقت، تعمل هذه الطبقة الصلبة على تضييق الشرايين وإعاقة تدفق الدم مما قد يؤدي إلى الإصابة بحالة تسمى “تصلب الشرايين التعصدي”. وتضيق شرايين القلب (مرض الشرايين التاجية) يمكن أن يحرم القلب من الحصول على الكمية الكافية من الدم المحمل بالأوكسجين، الأمر الذي يزيد من احتمالات الإصابة بالنوبة القلبية.
وفي المقابل، فإن انخفاض مستوى تدفق الدم إلى الدماغ، يمكن أن يسبب الإصابة بالسكتة الدماغية، إضافة إلى أن انخفاض كمية الدم التي تصل إلى الأطراف السفلية قد يؤدي إلى الإصابة بالغرغرينا.
وتأتي خطورة ارتفاع مستوى الكوليسترول في الدم، من عدم ظهور مؤشرات أو أعراض تدل على هذا الارتفاع، وبالتالي فإن الطريقة الوحيدة لمعرفة ما إذا كان الشخص يعاني من ارتفاع في مستوى الكوليسترول، هي إجراء فحص للدم.
الأسباب:
الكوليسترول هو أحد الليبيدين اللذين يتحركان في الدم. والشحوم الثلاثية (التريجليسيرايد) هي شكل آخر من الشحوم التي تتحرك في الدم كوقود متنقل يستخدم لتزويد الجسم بالطاقة. وباعتبارها شحوماً فإن الكوليسترول والتريجليسيرايد لا تنحل في الماء، وعليه لكي تتحرك في الدم الذي يتألف بشكل أساسي من الماء، يحتاج الكوليسترول والتريجليسيرايد إلى بروتينات لنقلها تسمى “أبوبروتينات” التي تشكل مع الليبيدات مركبا يعرف باسم الليبوبروتينات(ليبوبروتين هو عبارة عن أبوبروتين وليبيد). وهناك ثلاثة أنواع رئيسية من الليبوبروتينات.
فهناك الليبوبروتين منخفض الكثافة (إل دي إل)، الذي يتكون من البروتين بنسبة 25% والكوليسترول بنسبة 45%. ويعرف الكوليسترول الذي يتم نقله في جزيئات إل دي إل باسم “كوليسترول إل دي إل” ويسمى في بعض الأحيان الكوليسترول السيئ لأنه ينقل الشحوم إلى مختلف أجزاء الجسم حيث تترسب أو تستخدم لترميم الأغشية الخلوية. وعلى غرار الماء الكلسي الذي يرسب الجير داخل أنابيب المياه، يساعد الكوليسترول في تراكم الشحوم على جدران الشرايين. وأما الليبوبروتين عالي الكثافة (إتش دي إل) فيتألف من البروتين بنسبة 50% والكوليسترول بنسبة 20%.
ويعرف الكوليسترول الذي يتم نقله في جزيئات إتش دي إل “باسم كوليسترول إتش دي إل “ وبما إنه يساعد على تخليص الجسم من الكميات الزائدة من الشحوم، فيسمى في بعض الأحيان الكوليسترول الجيد.
والنوع الثالث هو الليبوبروتين منخفض الكثافة جداً (في إل دي إل) ويتكون من نسبة عالية من الشحوم الثلاثية (التريجليسيرايد) وكميات قليلة من البروتين والكلوليسترول.
ويقول الخبراء إن وجود نسبة منخفضة من الكوليسترول “إل دي إل” ونسبة عالية من الكوليسترول “إتش دي إل”، يساهم في خفض احتمالات تشكل الترسبات في الشرايين أوالإصابة بمرض الشريان التاجي. وقد تعود أسباب ارتفاع مستوى الكوليسترول “إل دي إل” إلى الوراثة أو إلى نمط الحياة أو كليهما معا. فقد لا تكون خلايا الجسم قادرة على إزالة الكوليسترول “إل دي إل” من الدم بشكل جيد أو قد ينتج الكبد كمية كبيرة من الكوليسترول على شكل جزيئات “في إل دي إل”، وقد تكون العوامل الوراثية السبب وراء وجود عدد صغير جدا من جزيئات “إتش دي إل”.
المضاعفات:
يمكن أن يتسبب ارتفاع مستوى الكوليسترول في الدم إلى الإصابة بأمراض القلب، فقد أشارت تقارير الجمعية الأمريكية للقلب إلى أن أمراض القلب تقتل ما يقارب المليون أمريكي سنويا أي أكثر من عدد ضحايا السرطان. وتعود أسباب عدد كبير من هذه الوفيات إلى تراكم الترسبات الشحمية على جدران الشرايين (تصلب الشرايين) ما يؤدي إلى تضييق أو انسداد هذه الشرايين. ويلعب الكوليسترول دورا مهما في هذه الحالة التي يمكن تجنبها إلى حد كبير.
وتصلب الشرايين عملية تحدث في صمت من دون ألم ويمكن أن تؤدي إلى خفض مستوى تدفق الدم. وإذا ما حدث انخفاض في مستوى تدفق الدم في شرايين القلب فقد يشعر الشخص بألم صدري يسمى “الذبحة الصدرية”.
ومع تزايد حجم الترسبات، تصبح البطانة الداخلية للشريان صلبة. فإذا ما حدث تمزق في هذه المادة الصلبة، فقد تتشكل خثرة دموية يمكنها أن تسد مجرى الدم أو ربما تتحرر هذه الخثرة وتسد مجرى الدم في شريان آخر. وعندما ينغلق مجرى الدم في جزء من القلب، يصاب الشخص بالنوبة القلبية. وفي حال توقف وصول الدم إلى جزء من الدماغ فهذا يعني أن السكتة الدماغية على وشك الحدوث.
عوامل الإصابة:
بالإضافة إلى العامل الوراثي، تلعب الممارسات الأنماط الحياتية دوراً كبيراً في ارتفاع مستوى الكوليسترول في الدم، ومنها الخمول أو عدم النشاط والبدانة والنظام الغذائي. فالافتقار إلى النشاط أو عدم ممارسة التمارين الرياضية يساهم في انخفاض مستوى الكوليسترول “إتش دي إل” أو مايعرف بالكوليسترول الجيد. وكذلك، فإن الوزن الزائد يؤدي إلى ارتفاع مستوى الشحوم الثلاثية (التريجليسيرايد) وبالتالي انخفاض مستوى الكوليسترول “إتش دي إل” أو زيادة مستوى الكوليسترول “في إل دي إل”.
وأما بالنسبة للغذاء، فمن المعروف ان الكوليسترول يوجد بشكل طبيعي في الأغذية الحيوانية مثل اللحم والبيض والجبن. وعليه فإن تناول الأغذية الغنية بالشحوم والكوليسترول، يساهم في ارتفاع مستوى الكوليسترول في الدم. وقد تساهم الشحوم غير المشبعة المتعددة في خفض مستوى كوليسترول الدم ولكنها عرضة للأكسدة، وهو ما يعزز تراكم الترسبات في الشرايين مع مرور الزمن، في حين أن الشحوم غير المشبعة الأحادية، تساعد على خفض مستوى كوليسترول الدم وفي الوقت ذاته تقاوم الأكسدة.
وهناك عوامل تزيد من احتمال أن يقود الارتفاع في مستوى كوليسترول الدم، إلى الإصابة بتصلب الشرايين ومنها التدخين وارتفاع ضغط الدم والسكري نوع 2 بالإضافة إلى التاريخ العائلي الذي يتضمن حالات إصابة تصلب الشرايين. فإذا ما أصيب أحد الأقرباء (الوالدان مثلا) بالتصلب قبل سن الخامسة والأربعين، فإن ارتفاع مستوى كوليسترول الدم يزيد من احتمال إصابتك بالتصلب.
والمعروف أيضا أن دخان السجائر يضر بجدران الأوعية الدموية مما يزيد معدل تراكم الترسبات الشحمية عليها. وعلاوة على ذلك، فقد يساهم التدخين في خفض مستوى كوليسترول (إتش دي إل) بنسبة تصل إلى 15%. ويساهم ارتفاع ضغط الدم أيضا في رفع معدل تراكم الترسبات الشحمية على جدران الشرايين. وكما هو معروف، يؤدي السكري نوع 2 الذي يظهر بشكل عام بعد سن الأربعين، إلى ارتفاع مستوى السكر في الدم، ويقول الخبراء أن ارتفاع مستوى السكر المزمن في الدم ربما يقود إلى تضيق الشرايين.
التشخيص:
وأفضل طريقة للكشف عن ارتفاع مستوى الكوليسترول في الدم في وقت مبكر من أجل اتخاذ الإجراءات المناسبة في الوقت المناسب، هي إجراء اختبار للدم بشكل دوري. وينصح بعض الأطباء بالكشف أولا عن مستوى الكوليسترول الجيد والتريجليسرايد ومن ثم قياس إجمالي مستوى الكوليسترول الكلي. ويمكن قياس قيمة الكوليسترول “إل دي إل” من خلال هذه القيم الثلاث. ولا يحتاج عموماً إلى معرفة قيمة الكوليسترول “إل دي إل” بدقة، ولكن إذا ما كان ذلك ضروريا، فيجب إجراء فحص دم خاص لقياسه.
بيد أن قياس مستوى الكوليسترول الإجمالي يمكن أن يكون مضللا ذلك لأن بعض الناس يمتلكون مستويات منخفضة من الكوليسترول إل دي إل ومستويات عالية من التريجليسيرايد. وفي هذه الحالة، يمكن أن يظهر مستوى الكوليسترول طبيعياً. وبالتالي لن يكتشف الطبيب مخاطر الإصابة بأمراض القلب الناجمة عن المستويات الطبيعية التي لم يتم قياسها. وحتى لو أن القراءة الكلية كانت مناسبة، فقد يكون الشخص معرضا بشكل كبير للإصابة بأمراض القلب في حال كان الكوليسترول (إل دي إل) منخفضاً.
وتختلف مستويات الكوليسترول المقبولة وفقاً لتنوع عوامل الإصابة مثل العمر والجنس والتاريخ العائلي والحالة الصحية. وعليه، ليس هناك رقم سحري يفصل بين المستويات الخطيرة عن المستويات الآمنة، بل قام الباحثون والأطباء بتحديد مستويات الليبيدات في الدم التي في حال تجاوزها يرتفع احتمال الإصابة بمضاعفات القلبية إلى درجة يتطلب معها إجراء تغييرات في الأنماط الحياتية. وعليه، يتوجب على كل شخص التحدث مع طبيبه بشأن المستوى المناسب له. ويقول الخبراء في مايو كلينيك إنه في حال كان الشخص يتمتع بصحة جيدة تكون النسب على الشكل التالي:
إجمالي الكوليسترول: أقل من 200 مليجرام في الديسيليتر.
إجمالي التريجليسيرايد: إقل من 200 مليجرام في الديسيليتر.
الكوليسترول “إتش دي إل”: أعلى من 45 مليجراماً في الديسيليتر.
الكوليسترول “إل دي إل”: أقل من 100 مليجرام في الديسيليتر.
وفي حال كان الشخص يعاني من مرض الشريان التاجي، تكون النسب المقبولة على الشكل التالي:
إجمالي الكوليسترول: أقل 200 مليجرام في الديسيليتر.
إجمالي التريجليسرايد: أقل من 200 مليجرام في الديسيليتر.
إتش دي إل : أعلى من 35 مليجراماً في الديسيليتر.
إل دي إل: أقل من 100 مليجرام في الديسيليتر.
وينصح الأطباء بأن يقوم الشخص بفحص دمه مرة في العشرينات من عمره ليكون هذا الاختبار بمثابة قاعدة قياس ومن ثم إجراء اختبار مرة كل 3-5 سنوات.
العلاج
تتلخص أولى خطوات العلاج في إجراء تعديلات في نمط الحياة بما في ذلك اتباع نظام غذائي صحي وممارسة التمارين الرياضية بانتظام والتوقف عن التدخين. ولكن لو قام الشخص بهذه الخطوات، وظل المستوى الإجمالي للكوليسترول وبالأخص الكوليسترول (إل دي إل)، مرتفعاً عندها قد يصف الطبيب بعض العقاقير. ولكن قبل وصف العقاقير، سيعمل الطبيب على تقييم بعض الجوانب مثل عوامل الإصابة القابلة المتغيرة والعمر والحالة الصحية الحالية والتأثيرات الجانبية للعقاقير. وإذا ما تقررت حاجة المريض إلى المعالجة الدوائية لتحسين مستوى الكوليسترول، فقد يضطر إلى تناولها لسنوات عديدة.
ويعتبر الكوليسترول (إل دي إل) العامل الحاسم في هذه المسألة، فعندما لا توجد عوامل إصابة بأمراض القلب وكان الكوليسترول إل دي إل أعلى من ،190 سوف يتطلب الأمر استخدام العلاج الدوائي. وفي ظل وجود عاملين من عوامل الأصالة بأمراض القلب وكان الكوليسترول إل دي إل أعلى من ،160 فإن استخدام الأدوية يندرج في قائمة الاحتمالات. وأما في حال كانت الترسبات قد تسببت في تضيق شرايين القلب مما أدى إلى انخفاض مستوى تدفق الدم الغني بالأكسجين إلى عضلة القلب (مرض الشريان التاجي) فقد يحاول الطبيب استخدام الأدوية وإجراء تغيير في النمط الحياتي للمريض لخفض مستوى الكوليسترول إل دي إل إلى أقل من 100.
الوقاية:
لقد بات واضحاً أن تحسين مستويات الكوليسترول في الدم يخفض من احتمالات الإصابة بأمراض القلب. ورغم شيوع مشكلة اضطراب مستويات الكوليسترول في الدم، إلا أنها من المشاكل التي يمكن الوقاية بطرق بسيطة تشمل تناول الأغذية الصحية وممارسة الرياضة وعدم التدخين. وتتلخص التغيرات التي يمكن أن يجريها الشخص على نظام الغذاء:
التحكم بكمية الشحوم:
يقول الخبراء ان نسبة الشحوم باختلاف أنواعها يجب ألا تتجاوز 30% من مجمل السعرات الحرارية اليومية. وبما ان الأطعمة الدسمة تحتوي على كافة أنواع الشحوم فيجب خفض معدل تناولها اليومي. وليس بالضرورة ان يحتوي كل نوع من الطعام الذي نتناوله على أقل من 30% من السعرات الحرارية من الدهون، بل يجب أن تراعى مسألة التوازن في اختيار الأغذية الغنية بالشحوم والأغذية القليلة الدسم. فإذا كانت الكمية اليومية من السعرات الحرارية 2000 سعرة، فإن 30% تعادل 65 جراما من الشحوم. ومن المهم جدا ألا تتجاوز كمية الدهون المشبعة نسبة 10% من إجمالي السعرات الحرارية اليومية.
الحد من كوليسترول الاغذية:
يجب ألا تتجاوز الجرعة اليومية من كوليسترول الأغذية 300مليجرام، ولتحقيق هذا الهدف من الضروري الحد أو تجنب تناول الأغذية التي تعتبر مصدرا غنيا لهذا الكوليسترول مثل لحوم أعضاء الحيوان مثل الكلى والكبد والنخاع والقلب بالاضافة إلى صفار البيض أو مشتقات الحليب الكاملة.
تناول الأطعمة التي تحتوي على ألياف قابلة للانحلال:
تساعد الألياف على خفض مستوى الإجمالي للكوليسترول في الدم. والأغذية الغنية بالألياف تشمل دقيق الشوفان والبازلاء والفاصولياء والفول والشعير والعصائر الحمضية والفراولة والتفاح.
زيادة استهلاك الأسماك:
يحتوي لحوم بعض أنواع الأسماك التي تتواجد في المياه الباردة مثل السلمون والاسقمري والرنكة، كمية كبيرة من الأحماض الدهنية “أوميجا-3” التي يمكن أن تخفض مستوى الشحوم الثلاثية.
إدراج منتجات الصويا في النظام الغذائي:
تحتوي الصويا على مركبات تسمى “إيسفلافونز” وهي بمثابة الهرومونات البشرية التي تنظم مستوى إجمالي الكوليسترول ومستوى كوليسترول إل دي إل والتريجليسيرايد، كما ان تناول الصويا يمكن أن يرفع من مستوى الكوليسترول الجيد الذي يقي من الإصابة بأمراض القلب.