عبــاقــرة الحــضــارة الإســـــــلاميـــة
ابن ســـينا
الشيخ الرئيــــس.. عبقري الأطبــــــــاء
إذا ذكرت الفلسفة كان من أعلامها، وإذا ذكرت الرياضيات كان من البارعين فيها .. وإذا ذكر الطب فهو علم فرد.. ولذلك لم يكن غريباً أن يوصف بأنه الشيخ الرئيس ،والمعلم الثالث بعد أرسطو المعلم الأول - الفارابي المعلم الثاني، إنه باختصار رائد من رواد الفكر الإنساني . درس الطبيعيات والإلهيات. وقرأ كتب أرسطو وافلاطون، واشتهر بالطب والفلسفة ،كما عني بالرياضيات والفلك. فهو الطبيب الفيلسوف والرياضي والفلكي، بدأ يصنف الكتب وهو في الحادية والعشرين من عمره .. وكان يعالج المرضى دون أجر .. واكتسب شهرة بزَّ بها أهل زمانه حتى لقب بالشيخ الرئيس. اندمج في السياسة، فعين وزيراً، وتقلبت به الأحوال فسجن . عالج الناس بلا مقابل، ومات بمرض لم يجد له شفاء . إنه الشيخ الرئيس ابن سينا :ابوعلي الحسين بن عبدالله بن سينا الذي ولد في بخارى سنة 371 للهجرة، في فترة تعتبر من أزهى عصور الحضارة الاسلامية، سطع في سمائها ابن سينا وابن الهيثم والبيروني. عاش ابن سينا 57 عاماً، أنجز فيها ما يزيد على مائة كتاب، لكن أظهرها وأكثرها تأثيراً في الحضارة الغربية كتاباه
القانون) في الطب و(الشفاء) في الطبيعيات والمعادن والنبات والحيوان. ويعتبر كتابه (القانون) في الطب خير ما تزهو به الحضارة العلمية الاسلامية في هذا العلم. وقد فضلته العرب على ما سبقه من مؤلفات لما وجدوا فيه من حسن التبويب والدقة العلمية، مع ماتميز به من الاشارة إلى خبرة مؤلفه وتجاربه. وقد تناول فيه علوم وظائف الاعضاء وعلم الأمراض وعلم الصحة ومعالجة الأمراض وعلم الأدوية. وترجم كتاب(القانون) الى اللغة اللاتينية واللغات الأوروبية، وطبع في أوروبا خمس عشرة مرة. وكان العمدة في دراسة الطب في الجامعات الأوروبية حتى منتصف القرن السابع عشر. ويقع كتابه (الشفاء) في ثمانية وعشرين مجلداً، ويحتوي على فصول في المنطق والطبيعيات والفلسفة، وقد ترجم كذلك إلى اللاتينية واللغات الأوروبية .وله مؤلفات ورسائل أخرى في الطب والفلسفة والموسيقى واللغات والإلهيات والنفس والمنطق والطبيعيات والرياضيات والفلك والأرصاد والأجرام السماوية، وقد ترجمت هذه المؤلفات إلى اللاتينية وسائر اللغات الأوروبية من إنجليزية وفرنسية وألمانية وروسية، وبقيت عدة قرون مرجعاً لهذه الدراسات. ولد ابن سينا في قرية أفشنه من قرى بخارى في أوزبكستان، وكان أبوه والياً على سامان، فتعهد بتربيته، وذكر ابن سينا نفسه عن تهذيبه أنه في العاشرة من عمره كان قد استظهر القرآن، وألم بجزء صالح من العلوم الدينية ومبادئ الشريعة والقراءة وعلوم النحو. عندما بلغ ابن سينا السابعة عشرة كان قد نبغ في الطب. كانت المتاعب والقلاقل السياسية تضطر ابن سينا لتغيير محل إقامته، فقد استوزره شمس الدولة أمير همذان. غير أن وزارته لم تعجب الجند فأسروه ،وطلبوا قتله، مما أغضب شمس الدولة، الذي أنقذ ابن سينا من ايديهم بعد جهد جهيد. ويروى أنه كان يحب الأنس والأطعمة الفاخرة، وكان يستقدم العازفين ويمد الموائد الممتعة. عندما مات شمس الدولة خلفه ابنه الذي لم ترقه حال ابن سينا، فأعرض عنه،فحقد عليه الشيخ الرئيس، وكتب سراً لغريمه علاء الدين أمير اصبهان، ولكن سره انكشف، فعوقب بالسجن في احد الحصون، غير أنه تمكن من الفرار. أثرت المتاعب في صحة ابن سينا فضلاً عما لحقه من الإفراط في العمل واللهو، فأصابه داء في الأمعاء، فتناول دواء شديداً سريع الأثر مما زاد من علته. ولما شعر ابن سينا بدنو أجله تاب إلى الله توبة نصوحاً، وتصدق بأغلى وأثمن ماعنده، وانقطع إلى العبادة، حتى وافته المنية في شهر رمضان المبارك عام 428 للهجرة عن 57 عاماً.
محمد تحياتي